الرئيسية » » "الرفاق الثلاثه" | ‏هشام ياسين‬

"الرفاق الثلاثه" | ‏هشام ياسين‬

Written By Unknown on السبت، 25 أبريل 2015 | 12:11 م


"الرفاق الثلاثه"


"الرفاق الثلاثه"
-رأيتُه يتألم.
-رأيتُه يتألم....فبكى.
-من بكى؟
-بكى البُكاء!
-وكيف يبكى البكاء؟
-دمعٍ يقطرُ فى الخفاء.
-ولماذا يبكى البكاء؟
-آلامٌ شتى ، طرفيّ النهارِ والليلِ آناء.
-وعلى من بكى البكاء؟
-على إنسان ، صار فَناء.
-من الإنسان؟!
-إنسان..!
-نعم ، من هو الإنسان؟
-إنسان ، من جنسِ بنى الإنسان.
-من هو هذا الإنسان؟ أليس له صفات؟
-بلى.
-فما هى؟
-له صفاتُ إنسان.
-حسناً ، هل رأيتُه؟
-ليس كثيراً ، رآهُ أكثرُ منى البكاء.
-هل رافقتُه؟
ليس كثيراً ، رافُقهُ أكثرُ منى البكاء.
-هل حدثته؟
-ليس كثيراً ، حدثه أكثرُ منى البكاء.
-هل تعرفه؟
-ليس كثيراً ، عرفُه أكثرُ منى البكاء.
إذن ، من هو؟
-فلتسل البكاء.
-من هو هذا الإنسان يا بُكاء؟

-إنه إنسان ، ليس هناك ما يوصفُ به غيرُ ذلك ، ليس هناك ما يوصفُ به سوي إنسان ، نعم إنهُ إنسان.
...إنسان رأيتُه كثيراً أكثرُ من أىُ إنسان ، رأيتُ منه الحب والبر لكلِ إنسان ، رأيتُ منه الوصل والودَ حتى لمن خاصمه وقطعهُ من الإنسان ، رأيتُ فيه إحتمالاً للأذى من قريب له إنسان ، رأيتُ فيه الحِلمَ على من ظلمه وعانى مِن ظُلمه كثيراً هذا الإنسان ، إنه فقط...إنسان.
....رافقتهُ كثيراً ، نعم ، كثيراً كثيرا ، أنا من أرافقُه ، أو بالأحرى أتطفلُ عليه دوماً ، فهو لم يرافقنى يوماً ، بل كنتُ أنا له دوماً رفيقَ حزنه ، رافقته كلَّ أوقاته.
-أتدرِ أننى معه الآن؟ ، أتدرِ أننى معه منذُ أن وُلدَ وكان؟ ، أتدرِ أننى أرافقُه قبل منامه دوماً و ليس أحيان؟ ، بالطبع شتَّان.
لقد رافقتُه فى همومه.
نعم ، إننى أعلمُ همومَه.
أعلمُ ماذا يحملُ على ظهرهِ من ويلاتِ الحياه ، أعلمُ عنائه الدائمُ وكيفُ يمرُ عليه اليومُ فى دنياه ، أعلمُ سرهُ وجهرهُ وقد رأيتُ شقواه ، أعلمُ دعاءهُ في جوفِ الليل لكلِ من ظلمهُ و آذاه ، أعلمُ حياتهُ وكيف قصمتهُ الهموم حتى تمنى المَناه ، أعلمُ عينيهِ وأرى فيهما دمعاً ترقرقَ فمتى يتوقفُ بُكاه ، أعلمُ وجهه وما فيهِ من بحورِ الشجنِ يا ويلاه ، أعلمُ قدرُهُ وقد إنتزع منهُ الفرْحُ دوماً فما أقساه ! ، أعلمُ يوماً يأتيه شغفاً وقد كُتب اسمُه فى صحيفةِ الوفاه ، أعلمُ أنَّهُ لغزاً يا ليتنى أعرفُ معناه.
وأردكتُ حزنَه.
أدركتُ معنى الحزن فى عينيه ، أردكتُ أن الحزن كتاباً مفتوحاً لا ينتهى بين يديه ، أدركتُ الحزنَ يأتيه مهرولاً على قدميه ، أدركتُ حزنه دمعاً يسيلُ على خديه ، أدركتُ أن للحزنِ وجهاً واحداً وقد بدا واضحاً عليه ، أدركتُ لو تحدثَ الحزنُ لقال:- إنى منهُ وإليه.

لقد حدثتُه.
نعم قد حدثته أنا البكاء.
حدثتُهُ بالبعد عنى والهجران ، أجابنى وقال حتى أنت فقدان ، حدثتُهُ بتركى وترك الهموم والأحزان ، فقال حياتى كلها أشجان ، حدثتُهُ أن السعادةَ إنسان ، أجابنى أن الآلام أيضاً من نفسِ الإنسان ، حدثتُهُ عن الأمل زمناً ومكان ، قال لم أعرفهُ يوماً لكننى قرأت عنه فى الجوانبِ والأركان ، حدثتُهُ عنى لن أُجدى نفعاً بالقلبِ والوجدان ، أجابنى لم يبقَ سوى حُطام قلب مزقتُه الأزمان ، حدثتُهُ عن الحب والهَيَمان ، إبتسمَ وقال الحب...ليس لى فقلبى صار أكفان.

عرفتَهُ يوماً فلم يتركنى دوماً.
عرفتَهُ منذُ زمنٍ بعيد ، عرفتَه منذُ أن كان فى المهدِ وليد ، عرفتَهُ فلم يتركنى حزناً كانَ أو عيد ، عرفتَهُ قلباً لم يشعر به من كان يريد ، عرفتَهُ أحزانا لا تهدأ بل تقول هل من مزيد ! ، عرفتَهُ جرحاً من الغريب و مَن إليه أقربُ من حبل الوريد ، عرفتَهُ ألما يملؤهُ حتى وإن كان سعيد ، عرفتَهُ وجهاً مبتسماً والقلبُ يفيضُ حزناً شريد ، عرفتَهُ وعرفتُ قلمَهُ ورفيقُ دربهِ السديد.

رأيتُ القلمَ يكتبُ قدرَهُ ويرثوه ، رأيتُ قلمَه يشاركهُ الحزنَ ممن آذوه ، رأيتُ قلمَهُ يواسيهِ ويقولُ لا تحزن على من أبكوه ، رأيتُ قلمَهُ وقد صاغ من الذهبِ كلاماً....كثيراً من قرؤه ، وقليلاً منهم من بالقلبِ لمسوه ، ونادراً إن وجدتَ من عاشوه.
هذا هو.
هو الإنسان.
تلك صفاته.
صفاتُ إنسان.
لستُ من وصفه.
بل هذا ما يراهُ الناس.
هذا هو كما عرفتهُ الناس.
وصفتهُ بأنه....
إنسان.
وهذا أنا.
أنا البكاء.
بُكاءُ إنسان.
وقد وصفتُ هذا الإنسان.
وقد تحدثُ عن الإنسان ، وعن رفاق الإنسان.
رفاقهِ الثلاثه.
الحزن ، الألم ، والقلم.
دوماً كنتُ أتساءل وأنا البكاء...
متى سيتركهُ رفاقهِ الثلاثه؟
ومَن مِن رفاقهِ الثلاثه سيتركُه أولا؟
و أبداً لم أجد لسؤالى جوابا.
لكن قد أتى يومٌ وعلمتُ الجوابا.
فلم يأتِ أبداً وقتُ وقد ترك الرفاق الثلاثه الإنسان.
لم يأتِ وقتُ وقد تخلى الحزنُ عن هذا الإنسان.
لم يأتِ وقتُ إلا وقد سأل الألمُ عن الإنسان.
لم يأتِ وقتٌ إلا و كان القلمُ صوتُ الإنسان.
نعم ، فلم يأتِ هذا الوقت حتى فارقَ الإنسان الحياه.
فارق هذا الإنسانُ حياته وتركَ رفاقهِ الثلاثه.
تركهم فى حزنهم عليه.
تركهم ليقصوا عنهُ صراعهِ معهم ، ليقصوا عنهُ صراعه مع الحياه.
حزِنَ الحزنُ على رفيقهِ الإنسان و ازداد حزنا.
وتألمَ الألمُ على فراقِ الإنسان فامتلأ ألما.
ورثاهُ قلمَه فلم يعشِ طويلاً بعد موتِ رفيقهِ فماتَ وحدهً وهمَّا.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.